الاثنين: بؤس الأرقام تلقي آدم الأسماء من ربه كضرورة للحياة، واخترع ابناؤه الأرقام لحاجتهم إلي الموت!ا
كانت معرفة الأرقام والحساب أكبر إنجاز عرفته البشرية وقادها إلي مراكمة الاختراعات، لكنها سهلت في الوقت نفسه القتل علي ضمائر القتلة، ليس فقط لأن كل وسائل الإبادة تقوم علي معادلات رقمية، بل لأن الضحايا صارت أعداداً بلا أسماء.ا
لم تزل واقعة القتل الأولي علي الأرض ماثلة لأن للقتيل هابيل اسماً يدل عليه إلي اليوم، ولم تزل مأساة الحسين تتجدد كل عام لأن له اسماً.ا
ولو لم تخترع الأرقام، لكانت ذاكرة الأجيال مطالبة بحفظ أسماء كل ضحايا الحروب. وحينذ لم يكن للضمائر أن تتحمل كل هذا القتل.ا
الثلاثاء: أصل الوجود
لدي قدماء المصريين لم يكن الاسم مجرد قرين للذات. كان الوجود نفسه، محو الاسم معناه أن الشخص لم يوجد من الأساس، ولن تتعرف عليه كائنات العالم السفلي. وبهذه الطريقة استطاعوا تمييز تخريب اللصوص العاديين الذين لايأبهون للخلود وبين تخريب الخصوم السياسيين الذين امتدت أيديهم لمحو الأسماء.ا
وقد تواصل الاعتقاد بقوة الاسم إلي اليوم، فإلي جانب الدعوات العصرية مثل: اللي تدوسه عربية، أو اللي يقطعه قطر لم يزل المصريون يدعون علي من يكرهون بـ اللي ما يتسمي أي الذي ينتفي وجوده!ا
ولايتكفل الاسم بخلق صاحبه البشري فقط، بل يخلق الأشياء والكائنات الأخري، يقولون المرض الوحش حتي لايجرجر اسم السرطان المرض إلي جسد القائل أو أي من السامعين، ويقولون علي مكان المسكون بالعفاريت فيه بسم الله الرحمن الرحيم !ا
والاسم الحسن مثار حسد. وعادة ما تأتي الأسماء القبيحة للذكور كتعويذة ضد الموت الذي جذبته الأسماء الجميلة لأخوة سابقين. لذا فعندما تلتقي بـ الجحش ، أو شلضم لاتفكر بمأساته؛ فكر بمأساة أمه، وكم دفنت قبله من مواليد قبل أن تعلق في رقبته هذه الفزاعة.ا
الخميس: عبد وإبن عبد
المثل الشعبي يقول: لو الأسماء بتنشري كان الفقير سمي ابنه خرا وليس هناك من أطلق علي ابنه اسماً بهذه البشاعة، لكن الأسماء ظلت طبقية في مصر حتي قيام ثورة يوليو. ولم تزل الأسماء القادمة من الماضي حتي النصف الأول للقرن العشرين تحمل طابعها الطبقي واضحاً، مثلها مثل وجود صورة فوتوغرافية.ا
وعلي الرغم من أن مبادئ الميثاق العشرة المكتوبة تبددت، فإن المبدأ غير المكتوب بالقضاء علي الإقطاع في الأسماء لم يزل سارياً، ولم يزل بمقدور المعدمين أن يسموا الأسماء التي تعجبهم، وخاصة البنات حيث يتمتعن بالتنوع الذي لأزيائهن في مقابل محدودية خيارات الأولاد.ا
بوسع ساكني العشش أن يسموا نازلي وسوزي وباكينام وشاهيناز. وكثيراً ما تكون النتائج مضحكة في النهاية، لكن الحق محفوظ، ولايمتنع عنه إلا قلة بدافع من الحياء. واحد من هذه القلة هو عبدالرحمن بن عبدالسميع الذي كان يجر خلفه ابنه عبدالتواب. وعندما سألته مستنكراً أن يفعل هذا بابنه: معقول عبد ابن عبد ابن عبد؟! أجاب بتلقائية شديدة: أسميه وائل يعني وأنا اسمي مكتوب ميت مرة في دفتر الشكك عند البقال؟
الخميس: فول بدماء المجهولين
يأكل المصريون الفقراء الفول باعتباره ضرورة وجودية، ويأكله الأغنياء باعتباره فلكلوراً شعبياً ودليل تبسط وإحساس بالمعدمين. وبالنتيجة لاشيء يوحد المصريين كما يوحدهم الفول!
والليلة كنت بين الساهرين لتناول حصتي الوطنية من الفول، عندما كانت مذيعة الجزيرة تذيع خبر هجوم انتحاريين علي موكب بناظير بوتو ليعبد طريق عودتها بدماء المئات. لم ترتدع يد عن الفول علي الرغم من أن المأساة اقتحمت الغرفة.ا
كم يد كانت ستذهل عن طعامها لو أن البث الحي للمجزرة بالألوان صار بثاً بأسماء الضحايا وما تركوا خلفهم من حيوات كانت معلقة بوجودهم؟!ا
الجمعة: هذا هو اسمي
للشحاذين في مصر طرق مستفزة وقاسية، فهم علاوة علي عرض عاهاتهم المصطنعة يدعون لمن يستجدونهم بدعوات خشنة، في نوع من التهديد باستجابات إلهية معاكسة في حالة الامتناع عن المساعدة، فإن رأوك مع طفلك، يدعون: ربنا ما يحرق قلبك عليه. وإذا كنت مع امرأة جميلة: ربنا يخلي لك الهانم. فوراً يضعك هذا المتسول المجهول في معركة، ويمكنك ببساطة ألا تخضع للابتزاز، فهو في النهاية غير موجود، لأنه بلا اسم.ا
الآن توجد طريقة جديدة للشحادة فرضتها البطالة بين الشباب، تحت مسمي مندوب مبيعات شاب لطيف يمكن أن يكون أخوك أو ابنك، يرتدي بدلة كاملة هي الوحيدة عنده بالتأكيد، يحمل في يد حقيبة، وبالأخري عينات مما بداخلها. يحييك ويبدأ بتعريف نفسه قبل المنتج: معك فلان الفلاني من شركة كذا.. وهذا عرض.. العرض لايهمك، ولديك بدلاً من قلامة الأظافر عشرة في البيت، وبدلاً من علبة الأقلام سيئة الصنع لديك سبع علب لاتستخدمها، لأنك تكتب علي الكمبيوتر.ا
ولكنك لاتستطيع إلا أن يتقطع قلبك علي هذا الشاب الذي صار موجوداً: هيثم عبدالمولي، المهندم كابنك أو أخيك، أنفق عليه أهله من قوتهم لكي يتخرج من الجامعة متسولاً بحقيبة.؟
السبت: كل الأسماء
كان طموح موظف الأرشيف المهووس بالأصل في رواية ساراماغو كل الأسماء أن يصل إلي شجرة عائلة الرب، دون أن يعلم أن البشري المهدد بالزوال مع كل احتمال خسران لاسمه الواحد هو الذي يحتاج إلي أرومة وأصل.ا
الإلهي لديه بذاته أسماء كثيرة؛ بل له الأسماء جميعاً. أسماؤه لاتنفد، لأنها حاجتنا نحن لاحاجته.ا
أسماؤه مسالك الفانين إلي الواحد، وكل حريص علي مسلكه، والواحد حي في أسمائ
"عزت القمحاوي"
(عن القدس العربي)
dimanche 21 octobre 2007
jeudi 27 septembre 2007
رهبان بورما وشيوخ المسيار

قدم الرهبان البوذيون في بورما درسا مشرفا في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، عندما نزلوا الي الشوارع، حفاة شبه عراة، في تحد غير مسبوق لقوات امن قمعية لم تتردد في قتل ثلاثة منهم، احدهم بالرصاص، واثنان ضربا حتي الموت.ا
الرهبان البورميون معروفون في العالم كنموذج في التواضع والسكينة ورفض كل انواع العنف، وغالبا ما يعبرون عن معتقداتهم السلمية بالموسيقي وقرع الطبول، وارتداء قطعة برتقالية من القماش الرخيص علامة علي التواضع والتقشف والزهد.ا
هؤلاء ليسوا اهل كتاب، ولا يوجد اي ذكر في ديانتهم البوذية للعنف او الجهاد، او قول كلمة حق في وجه سلطان جائر، ومع ذلك قرروا ان ينحازوا الي جانب الشعب البورمي المسحوق، وان يخرجوا الي الشوارع للمطالبة بالاصلاح ووضع حد للممارسات القمعية والفساد المستشري في البلاد في ظل حكم طغمة عسكرية ديكتاتورية ظالمة.ا
اوضاع الشعوب العربية اسوأ كثيرا من اوضاع الشعب البورمي، فالانظمة الديكتاتورية العربية تغولت في القمع وارهاب المواطن، ومصادرة الحريات ونهب المال العام، والتنكيل بالمعارضين، ومع ذلك لا نري اي تحرك من رجال الدين الذين تزدحم بهم المساجد واماكن العبادة، والجامعات والمدارس وكل اوجه الحياة.ا
شاهدنا مظاهرات لسيدات يطالبن بحقهن في قيادة السيارة، بعضهن تعرضن للضرب والاعتقال والفصل من وظائفهن، وتشويه سمعتهن الشخصية، من خلال نهش اعراضهن، والتطاول عليهن واسرهن بكلام فاحش. ولكننا لم نشاهد مطلقا مظاهرة لرجال الدين تطالب بالاصلاح ووضع حد للفساد، واعتقال الآلاف في السجون، وتغييب القضاء العادل المستقل.ا
الرهبان البوذيون لم تتعرض معابدهم للتدنيس، ولم تتدخل السلطات الحاكمة في طريقة عبادتهم، ولم تقم الحواجز لمنع انصارهم من الصلاة، ومع ذلك نزلوا الي الشوارع يواجهون الرصاص القاتل بصدورهم العارية.ا
حكامنا ارتكبوا خطيئتين اساسيتين وعشرات الخطايا الاخري الاقل شأنا، الاولي انهم مارسوا القمع في اسوأ صوره، وعاثوا في بلداننا فسادا، والثانية صمتهم بل تواطؤهم في عمليات الاذلال التي تتعرض لها امتنا في العراق وفلسطين. ومع ذلك ينبري رهط من وعاظ السلاطين للدفاع عنهم باصدار الفتاوي التي تبرر فسادهم وديكتاتوريتهم واستئثارهم بالسلطة، ومعاملة الشعوب وكأنها عبيد لهم ولنسلهم.ا
الرهبان البوذيون الكفرة في عرف هؤلاء ثاروا علي الظلم والقمع، ووعاظ السلاطين في بلادنا ينافقون الحكام الديكتاتوريين ليل نهار، ويتحالفون معهم في حرف النشئ عن الممارسة الحقيقية لتعاليم عقيدتهم في التصدي للظلم ونصرة المستضعفين وتحرير المقدسات.ا
عندما تسألهم لماذا تقفون في خندق الحكام الفاسدين تبررون فحشهم وتسترون عوراتهم بالفتاوي، يردون بالقول ان طاعة اولي الامر واجبة، ويلحقون ذلك بفتوي عدم جواز الخروج علي الحاكم الا اذا ثبت كفره.ا
طاعة الحاكم واجبة ولكن عندما يكون سيدنا عمر بن الخطاب، او سيدنا علي بن ابي طالب، لكن طاعة حكام طغاة تقاعسوا عن القيام بواجباتهم في حماية المقدسات ونشر العدل بين الرعية، والانتصار للحق، ونصرة اشقاء تحت الاحتلال فهذا هو قمة النفاق.ا
الامم تفسد وتتخلف عندما تفسد قياداتها الدينية، وتنحرف عن مهامها في تقديم المثل والنموذج في التضحية والفداء، والتصدي للحكام الظلمة المفسدين في الارض، المتواطئين مع الاعداء، المتقاعسين عن القيام بالحد الادني من واجباتهم في الدعوة الي الاصلاح، ورفع المظالم، وتربية النشئ تربية صالحة علي اسس الشهامة والكرامة وعزة النفس ومقاومة الاحتلال والمحتلين وتقويم مظاهر الاعوجاج في المجتمع.ا
من المؤسف ان الشغل الشاغل لمعظم علمائنا الذين يملأون الفضائيات حاليا هو الحديث في امور ثانوية تبتعد عن جوهر تخلف امة الاسلام والمسلمين، واسباب استهدافهم بحروب مدمرة دون غيرهم من الامم. ولولا الحياء لاعتبروا الجهاد في فلسطين والعراق في مواجهة الاحتلال ارهابا وخروجا علي طاعة ولي اولياء الامر الذي هو امريكا.ا
الرهبان البوذيون الكفرة لم ينشغلوا بزواج المسيار، وموائد رحمان الراقصات، ولم يتوقفوا كثيرا عند نواقض الوضوء علي اهميتها، ونزلوا الي الشوارع في مسيرات جهادية، وهم الذين لم يعرفوا الاسلام وتعاليمه وربما لم يسمعوا بها.ا
جميع شعوب الارض تتحرك، تتظاهر، تنتفض، وتقدم التضحيات من اجل تغيير مجتمعاتها نحو الافضل، وتكريس حقوق المواطنين في الحريات والمشاركة في السلطة وصياغة حاضرهم ومستقبل اجيالهم الا شعوبنا العربية، والسبب هو وعاظ السلاطين وفتاواهم التخديرية التي تركز علي الهوامش والتفاصيل الصغيرة، وتبتعد عن القضايا الجوهرية.ا
علماء الدين كانوا يتصدرون المظاهرات واعمال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي والانكليزي، الآن تحولوا الي ادوات في يد الحاكم، يستقبل بعض كبارهم المسؤولين الاسرائيليين، ويبرر التطبيع، ويبيح المحظورات، ويشرع القتال ضد بلد عربي مسلم شقيق ويقف الي جانب القوات الامريكية حرصا علي منصبه، وطمعا في منحة من حاكم ظالم فاسد.ا
علينا ان نعترف اننا امة مريضة بمرض عضال أحد ابرز اسبابه وعاظ السلاطين، وشيوخ المسيار، الذين يلعبون دورا كبيرا في تجهيل الاجيال الحالية والمستقبلية حتي تظل هذه الامة في سبات اهل الكهف ولأطول فترة ممكنة.ا
فعندما يطفح كيل رهبان بورما المسالمين انتصارا لشعبهم الذي لا يواجه ربع القمع والفساد الذي تواجهه شعوبنا علي ايدي حكامها الظلمة، ولا يطفح كيل علمائنا ورجال ديننا، فهذا ابرز تشخيص للورم السرطاني الكبير الذي ينتشر في خلايا هذه الامة.ا
نتمني ارسال بعثات الي بورما لكي يتعلم ابناؤنا من رهبانها وشعبها معاني الثورة علي الظلم والقمع والديكتاتورية، وكيفية عدم التردد في قول كلمة حق في وجه سلاطين جائرين.ا
عبد الباري عطوان
27/09/2007
(عن القدس العربي)
jeudi 13 septembre 2007
المغرب والخوف المتوهم من القوي الإسلامية السياسية
د. بشير موسي نافع
13/09/2007
لعدة شهور من هذا العام والملف الانتخابي المغربي يشكل أكبر الملفات الصامتة في دوائر السياسة والفكر العربيين، الإسلامية السياسية وغير الإسلامية. والمقصود هنا أنه لم يثر من الضجيج ما أثارته الانتخابات المصرية قبل سنتين، أو حتي التركية خلال الأسابيع القليلة الماضية.ا
ليس من الواضح ما إن كان هذا الصمت مجرد سطح مضلل لحقيقة مختلفة، أو أنها مرة أخري مشكلة التباين في الاهتمام بما هو مغربي عن ما هو مشرقي. هذا، بالطبع، لا يعني أن الانتخابات المغربية كانت غائبة، أو أنها أقل دلالة من الانتخابات المصرية أو التركية. الحقيقة أن نتائجها تجعلها أكثر أهمية، إن أخذنا في الاعتبار الجدل المتصاعد حول القوي الإسلامية السياسية وعلاقتها بمسألة الحكم والدولة في المجتمعات العربية والإسلامية. المدهش، وربما المضحك، أن أهمية الانتخابات المغربية تنبع ليس من اكتساح الإسلاميين للانتخابات، بل من إخفاقهم في تحقيق الأهداف التي وضعوها لحملتهم الانتخابية. هذا، إضافة إلي حجم المشاركة الشعبية المتدني في هذه الانتخابات.ا
كان الصدام (العائلي) بين الإخوان المسلمين وحلفائهم السابقين من ضباط ثورة تموز (يوليو) المصرية هو الصدام المؤسس لحالة الصراع الطويلة بين التيار الإسلامي السياسي والدولة العربية الحديثة. ولكنه لم يكن الصدام الأخير. عكست حالة الصراع أبعاداً فكرية وثقافية، كما عكست تفاقم أزمة الإجماع العربي ـ الإسلامي حول القضايا والتوجهات الكبري للأمة والدولة، ولكن أهم جوانبه علي الإطلاق كان الصراع علي مؤسسة الحكم. لم يخف الإسلاميون يوماً طموحهم في السيطرة علي أداة الدولة، وقد استخدم هذا الهدف بالتالي كأحد أبرز أدوات الحرب الدعائية التي سوغت بها أنظمة الحكم العربية معركتها مع الإسلاميين وقمعها لهم. ما اعتبره الإسلاميون حقاً طبيعياً، قدمته النخب الحاكمة باعتباره مؤامرة توظيف الدين للوصول إلي السلطة. ولأن تصور الإسلاميين لعملية التغيير لم يكن واضحاً، فقد اعتبر انشغالهم السياسي أمراً غير شرعي، وأن استخدام الأنظمة وسائل القمع لإحباطهم مبرر ومسوغ. خلال الثمانينات والتسعينات، تفاقمت حالة الصراع، لتدفع أجنحة ومجموعات إسلامية مختلفة للجوء إلي العنف. ومن مدن الشمال السوري، إلي صعيد مصر، إلي قري المرتفعات الجزائرية، انتشر العنف باسم الإسلام، مطيحاً باستقرار الدول والشعوب، وعاصفاً بحياة ومستقبل جيل بأكمله من الشبان العرب. وقد وفر لجوء بعض الإسلاميين للعنف واحدة من أكبر الفرص أمام النخب الحاكمة، ليس لتقويض مصداقية القوي الإسلامية وحسب، بل أيضاً لإحكام القبضة علي الدولة والثروة معاً.ا
بيد أن اللجوء للعنف لم يكن المتغير الوحيد الذي شهدته هذه الحلقة المغلقة من التدافع بين القوي الإسلامية السياسية والأنظمة. ففي مواجهة تصاعد وتيرة العنف، نجحت التيارات الرئيسية بين القوي الإسلامية السياسية في تطوير رؤي واستراتيجيات عمل وخطاب لم يكن من السهل علي الأنظمة محاصرتها أو تبرير قمعها. كل التيارات الإسلامية السياسية الرئيسية، من مصر إلي الجزائر، ومن اليمن إلي المغرب، ومن تونس إلي اليمن، تبنت في شكل واضح وقاطع العملية الديمقراطية، كلها نادت بالتعددية الحزبية والتداول السلمي علي السلطة، وكلها أقرت بضرورة العمل السياسي علي الأرضية القانونية والسياسية للدول القائمة. في بعض الحالات، استطاعت الأنظمة الحاكمة إيجاد صيغة، أو نصف صيغة، للتلاؤم مع المتغير الإسلامي الجديد. في اليمن، وبالرغم من أن العملية الانتخابية ليست نزيهة كلية، فقد سمح للإسلاميين بممارسة العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات، بل وعند الضرورة أن يصبحوا جزءاً من حكومات ائتلافية. تعاملت الدولة الأردنية مع العمل السياسي الإسلامي زهاء العقد، ثم غلبت الطبيعة القمعية المتأصلة للنظام علي التطبع، وأطلقت الدولة حملة متعددة الأذرع لتحجيم الوجود السياسي الإسلامي، بدون أن تذهب الي حد الإبادة.ا
وحتي في مصر، عقدة العقد في الوضع العربي كله، بنيت استراتيجية التعامل مع التيار الإسلامي السياسي علي أساس تلازم سياسات الهامش والقمع: هامش محدود للعمل، ودورات متتالية من القمع كلما استشعر النظام تصاعد قوة ونفوذ الإسلاميين علي المستوي الشعبي وفي الحياة العامة. دول أخري، بالطبع، لم تستطع، وربما لم تجرؤ، لا علي تغيير عقلها ولا تغيير جلدها. ففي كل من تونس وسورية، يتعرض التيار الإسلامي السياسي لمطاردة لا هوادة فيها منذ نهاية الثمانينات، تصل أحياناً إلي حد المس بوضع الدين نفسه.ا
خلف هذه المتغيرات في توجهات القوي الإسلامية السياسية وفي سياسات أغلب الأنظمة الحاكمة، لم تتوقف عجلة التدافع الدعائي عن العمل. الجامع المشترك الأعظم للتدافع الدعائي هو الخوف، أو علي الأصح زراعة الخوف في الوعي الجمعي للشعوب، ولدي القوي الغربية الرئيسية الحليفة للنظام العربي. أما أداة الخوف هذه فسهلة وبسيطة ومباشرة: الإسلاميون قادمون . بالنسبة للشعوب، الإسلاميون قادمون لتقويض عجلة الاقتصاد برؤاهم التطهرية للعالم، لتقويض أنماط الاجتماع بشكوكهم المتأصلة في حق المرأة في العمل والانخراط في الحياة العامة، لتقويض الاستقرار السياسي باختلافهم الأصيل مع كل النظام الدولي، لتقويض الحريات ببرامج تستبطن فرض سلوكيات وإعلام ومناهج تعليم وأنماط لباس معينة، ولتقويض الثقافة والفن بعدائهم التاريخي للفنون والثقافة. وبالنسبة للقوي الخارجية، والغربية الأطلسية منها علي وجه الخصوص، يعتبر الإسلاميون مصدر ذعر دائم، علي أية حال، إن وضعنا في الاعتبار الأولوية التي يحتلها أمن وقوة ورفاه الدولة العبرية في سياسات هذه القوي، وعداء أغلبية التيار الإسلامي السياسي للدولة العبرية وسياساتها. والحقيقة، إن عملية التخويف هذه لم تستمد مفرداتها دائماً من الخيال الجامح للنخب الحاكمة؛ فما تعهده نظام طالبان في أفغانستان، ومظاهر التضييق علي الحريات في إيران، وفرت مادة خصبة لآلة زراعة الخوف من الإسلاميين. ولم تكن آلة الخوف هذه مقصورة علي أجهزة الحكم والنخب المرتبطة بها، بل ساهم فيها، بمصداقية أو غير مصداقية، قطاع واسع من المثقفين والكتاب والصحافيين العلمانيين، لاسيما بعد أن انهار الجدار الفاصل بين دوائر اليسار والدوائر الليبرالية الغربية بانهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعيناتا.
وجدت سياسة الإسلاميون قادمون لها أدلة إثبات في عدد من الدورات الانتخابية التي شهدتها بعض الدول العربية خلال العقدين الماضيين. ففي أول انتخابات تونسية بعد سيطرة الجنرال بن علي علي السلطة، وبالرغم من أن حركة النهضة لم تشارك في الانتخابات بصورة رسمية، أظهرت النتائج الحقيقية (لا المعلنة بالطبع) أن المرشحين المدعومين من النهضة حققوا فوزاً ساحقاً في الدوائر المحدودة التي خاضوا فيها المعركة الانتخابية. ثم جاءت الانتخابات الجزائرية في 1991 لتبشر في دورتها الأولي بانتصار ملموس لجبهة الإنقاذ. ومنذ بدأ الإخوان المسلمون خوض الانتخابات البرلمانية المصرية، بهذه الصيغة أو تلك، وهم يحققون إنجازات معتبرة، بالرغم من تجنبهم الترشح في كل الدوائر، ومن العبث التقليدي وواسع النطاق في عملية التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج. الانتخابات البلدية الأولي في تاريخ المملكة العربية السعودية، التي عقدت قبل عامين، لم تخرج عن هذا السياق. وتلتها الانتخابات التشريعية الفلسطينية العتيدة، التي أعطت حركة حماس أكثرية مقاعد مجلس منطقة الحكم الذاتي التشريعي. وفوق ذلك له، جاء فوز حزب العدالة والتنمية التركي في دورتين انتخابيتين متتاليتين، في البلد غير العربي الذي يجمع العرب به الجوار الجغرافي والكثير من التاريخ. بكلمة أخري، الإسلاميون قادمون لم يعد مجرد حملة من التخويف الدعائي بل توقع يستند إلي وقائع.ا
ما تقدمه الانتخابات المغربية الأخيرة هو دليل آخر علي الأوهام الكبري التي اصطنعتها سياسة وآلة الإسلاميون قادمون . فالقوي الإسلامية الديمقراطية، كما الاتجاه الإسلامي السياسي ككل، هي قوي بالغة التعدد والتنوع، سواء علي مستوي الخطاب والسياسات، علي مستوي الشعبية والقدرة علي جذب الأصوات، أو فيما يتعلق بالسياق الذي يحيط بوجودها وعملها، ومن ثم إنجازاتها وإخفاقاتها. ثمة أوضاع عربية وإسلامية تنبئ باكتساح إسلامي سياسي حاسم في حال عقدت انتخابات حرة وشفافة ونزيهة؛ وأوضاع عربية أخري لا تتوفر فيها الشروط الموضوعية لمثل هذا المآل. وفي حال فوز قوة إسلامية سياسية في الانتخابات، فليس ثمة من ضمانة لفوزها في الانتخابات التالية، ليس لأن متطلبات الحكم تختلف عن متطلبات المعارضة وحسب، بل أيضاً لأن أغلب الدول العربية والإسلامية تعيش أوضاعاً بالغة التعقيد من التدخلات الأجنبية والارتهان للوضع الدولي. في الانتخابات المغربية الأخيرة، يجعل النظام الانتخابي من المستحيل لحزب ما تحقيق أغلبية قاطعة في البرلمان. وقد خاض العدالة والتنمية المعركة الانتخابية ضد أحزاب تاريخية ذات جذور عميقة، سياسية وجهوية وثقافية، في المجتمع المغربي، أحدها، وهو حزب الاستقلال، لا تنقصه المرجعية الإسلامية. كما ان المزاج الطاغي علي عموم المغاربة هو مزاج عدم الثقة في الحياة السياسية وفي البرلمان علي السواء، وهو ما انعكس في نسبة المشاركة المنخفضة في عملية الاقتراع. ومسؤولية مواجهة حالة فقدان الثقة بين الشعب ودولته ليست مسؤولية العدالة والتنمية وحده، بل مسؤولية كل النخب الفكرية والثقافية، مسؤولية الطبقة السياسية وجهاز الحكم، والأسس التي تستند إليها الدولة. فوق ذلك كله، فحزب العدالة والتنمية، كما الجماعة الإسلامية في باكستان في الفترة منذ التأسيس وحتي الثمانينات، لم يزل أسير جذوره النخبوية، ولم يستطع التحول بعد إلي قوة شعبية رئيسة. لكل هذه الأسباب، كان إخفاق العدالة والتنمية في الفوز بعدد المقاعد التي تنبأ بها الكثيرون له أمراً طبيعياً.ا
وقد قدمت بلدان أخري من قبل دلالات شبيهة بما حملته الانتخابات المغربية البرلمانية. في الأردن واليمن، مثلاً، لم تكن النتائج التي حققها الإسلاميون خلال ثلاث أو أربع حملات انتخابية متتالية متطابقة مع المخاوف التي تثيرها سياسة الإسلاميون قادمون . ولا استغل الإسلاميون في السودان، في تركيا، أو في فلسطين، سيطرتهم علي آلة الدولة لإقامة أنظمة شبيهة بنظام طالبان، أو حتي نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. كل حالة تختلف عن الأخري، بهذا القدر أو ذاك، وقدرات الإسلاميين علي الإنجاز لا تقل اختلافاً. وبين دولة وأخري، ثمة خصوصيات لا يمكن تجاهلها في النهج والتصور الذي تعبر فيه القوي السياسية عن نفسها. العملية الديمقراطية قد لا تكون في النهاية المنقذ المنتظر لأزمة الدولة وحقبة انهيار الإجماع التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية. ولكنها توفر علي الأقل مناخاً سياسياً عقلانياً، قد يساعد هذه المجتمعات علي مواجهة الأسئلة الكبري في ظل أجواء من السلم والقدر الضروري من الاستقرار.ا
(عن جريدة القدس العربي)
samedi 4 août 2007
لماذا يخافون الإسلام الذي بشر بقيم موسى وعيسى؟

"زين العابدين الركابي"
«هل الكوكب الأرضي يتسع لكل الأديان والأمم، ويضيق ـ فقط ـ بدين الاسلام وبالمسلمين؟.. إننا نعجب من هذا التحامل غير المبرر على الاسلام كدين لأننا نعلم ان الاسلام دين سماحة وتعارف وتفاهم واحترام للتعدديات المختلفة ويحرص على ازالة الأسلاك الشائكة بين الثقافات والحضارات وقد جاء بهذه القيم في وقت كان فيه العالم غارقا في الظلام في عهود ما سمي (بالقرون الوسطى المظلمة) في اوربا، وهي القرون التي كانت تقابلها نهضة التنوير العقلي والمعرفة والعلم عند العرب والمسلمين كما شهد بذلك علماء ومفكرون غربيون لا نستطيع احصاءهم الآن. وإنا لنسأل بتعجب أيضا: ما سبب هذا التحامل على الإسلام؟.. هل هو الجهل بحقيقة الإسلام؟.. أو هل السبب هو رواسب تاريخية معينة لم يستطع أصحابها التخلص منها فانعكست على أقوالهم ومواقفهم في أيامنا هذه»؟.ا
هذه المطارحة الفكرية الجادة تلقيتها من مسؤول عربي خليجي كبير عرف بـ (اهتمامه الفكري الرفيع) على الرغم من مسؤولياته السياسية والادارية الضخمة.. وأتت هذه المطارحة تعليقا على مواقف غير ودية تجاه الاسلام في عالمنا هذا.ا
مرة أخرى، وثالثة، وعاشرة: ليس من العقل، ولا التبصر الواقعي، ولا المسؤولية الحضارية: أن تشغلنا السياسة ـ على أهميتها ـ عما هو مثلها، أو أخطر منها، وأبعد مدى: في الزمن والتأثير، وهو (الفكر).ا
ولئن نَفَذ مقال الأسبوع الماضي من حدث سياسي هو الانتخابات البرلمانية التركية، الى ما وراء الحدث وهو (الفكر العلماني) وموقفه من الدين، فإن مقال اليوم له مدخله الزمني الفكري وهو: المطارحة الفكرية لذلك المسؤول العربي الكبير وللمقال ـ في الوقت نفسه ـ مقتضاه الموضوعي.. ويتمثل هذا المقتضى الموضوعي في (ظاهرة فكرية): اتحدث في المضمون والغاية وان تعددت مصادرها.. ويمكن تكييف هذه الظاهرة وتسميتها بأنها (ظاهرة التغذية المستمرة والمتصاعدة بالخوف من الاسلام: بناء على انفعالات عاطفية وتعصبات نفسية وأحكام مسبقة، لا بناء على براهين عقلية نتجت عن بحث منهجي علمي نزيه وأمين).ا
وهذه منظومة من (أجزاء) الظاهرة و(قرائنها).ا
1 ـ في أواخر يونيو الماضي: انعقد مؤتمر يهودي عالمي تحت عنوان (التخطيط لسياسات الشعب اليهودي). وقد انتظم المؤتمر شخصيات عالمية: يهودية وغير يهودية: شخصيات سياسية وفكرية وعلمية واقتصادية وإعلامية. وانتهى المؤتمر الى نتائج ووصايا منها: ان مما يهدد مستقبل الشعب اليهودي هو (تعاظم المد الأصولي الديني في العالم).. ولا يقصدون بذلك: الأصولية الهندوسية، ولا المسيحية، ولا اليهودية. وإنما يقصدون (الأصولية الإسلامية).. وفي هذا المجال نفسه: لا يقصدون غلاة المسلمين ومتطرفيهم وإرهابييهم فحسب. بل يقصدون المسلمين أجمعين الذين يعتزون بدينهم، ويرجعون الى (أصوله) النقيّة في الكتاب والسنة ليهتدوا بها في حياتهم العامة والخاصة..ا
وهذه رؤية غير مفصولة عن رؤية أسبق منها في الزمن. فمنذ أكثر من ربع قرن صاغوا تقريرا استراتيجيا يقول: «ان المشكلة ليست في الشباب المسلم المتطرف إذ هم ضحايا للاسلام نفسه (!!!) الذي ما صَدَقَ مسلم في الالتزام به الا تحول الى متطرف وارهابي، فالمشكلة في الاسلام ذاته ولذا يجب أن ينعقد اجماع اقليمي وعالمي على مواجهة هذا الخطر».ا
2 ـ والسند متصل بكبير من كبرائهم، ورائد فيهم يصغي اليه الجميع، ويعتدون بآرائه وأفكاره وهو برنارد لويس. ففي كتاب (أوربا والاسلام) الصادر في يونيو 2007 (ذات الشهر الذي انعقد فيه المؤتمر اليهودي المذكور آنفا).. في هذا الكتاب يقول برنارد لويس: «إن الاسلام عاد الى النضال من أجل الهيمنة على العالم اليوم على حساب المسيحية كما حدث من قبل في الشام وشمال افريقيا ووسط أوربا.. إن أحداث 11 سبتمبر كانت مجرد مقدمة، وان الهجوم هو أول السلسلة في هجوم شامل يتعدى الهجمات الارهابية ليأخذ أشكالا وصيغا أخرى مثل هجرة أفواج من المسلمين الى أوربا وتأثيراتهم في الحياة الأوربية من خلال تكاثرهم ومعهم قيمهم وأعرافهم وتقاليدهم».. ولويس هذا صاحب نظرية مركبة هي: ان العلة في الاسلام قبل أن تكون في المسلمين. وان التاريخ الاستعماري أثبت أن العرب والمسلمين لا يستطيعون الحياة إلا تحت وصاية أجنبية.ا
3 ـ في خواتيم يوليو الماضي: انبعث جورج جاينسفاين: السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان، انبعث يقول: «ينبغي ألا نستهين بأسلمة الغرب، وألا نتجاهل خطرها على هوية أوربا بذريعة مجاملة تفهم بشكل خاطئ.. ان الكاثوليكية ترى ذلك جاليا وتقوله بوضوح».ا
تلك أجزاء ثلاثة أو قرائن ثلاث من ظاهرة (التغذية الفكرية الواسعة والمتزايدة بالخوف من الاسلام والمسلمين).. وقد اكتفينا بهذه النماذج لأن الايراد الكامل للقرائن كافة، ينقل الموضوع من دائرة المقال الى دائرة تأليف كتاب أو كتب.ا
فماذا وراء (الخوف المرضي) من الإسلام؟.. هل وراءه (وهم) سببه الجهل المطبق؟.. يجوز.. هل سببه (كراهية) صنعها التعصب الطاغي؟.. يجوز.. هل سببه (معركة مفتعلة) دافعها الاستغلال السياسي الغربي للدين؟.. يجوز.. هل سببه: الحكم على الاسلام من خلال سلوك رديء كريه لبعض المسلمين؟.. يجوز.. ولكن هذا الحكم ينسحب ـ كذلك ـ على المسيحية واليهودية بواسطة الحكم عليهما بما فعله هتلر وموسوليني المسيحيان في الحرب العالمية الثانية وبما تفعله اسرائيل اليهودية بالفلسطينيين الآن.ا
غريب وعجيب ومفجع حقا سلوك البشر.. هل الناس مجانين؟.. لماذا يحرصون على (التنقيب) عما يفرقهم ويباعد بينهم، ويهملون ـ بتفريط معيب ـ ما يقرب ويؤلف بينهم؟.ا
ان (قيم الاسلام) التي يخافون منها الى درجة الهلع، ليست بعيدة عنهم، لو أنهم فكروا بعقولهم الحرة وضمائرهم الصادقة فيها.. إنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا أن هذه القيم والمبادئ هي هي نفسها التي بشر بها نبيا الله: موسى بن عمران، وعيسى بن مريم صلى الله عليهما وسلم.ا
إننا نكتب لقراء نحترم عقولهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية. وبهذا المقياس، من حقهم علينا أن نقدم البراهين والأدلة التي تثبت (دعوى): ان الاسلام تضمن ـ بلا ريب وبوضوح واستفاضة ـ القيم والمبادئ التي بشر بها موسى وعيسى عليهما السلام.ا
1 ـ إن جوهر الإسلام هو الإيمان بالله وتوحيده وعبادته والإخلاص له. فقد تنزل على نبي الله محمد: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين. ألا لله الدين الخالص».. وهذا هو جوهر رسالة نبي الله موسى: «فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري».. وهذا هو جوهر الرسالة التي هتف بها نبي الله عيسى: «ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون. إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم».ا
2 ـ ان الإسلام دعا الناس إلى الحياة في نور الله وهداه: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم».. والدعوة إلى الحياة في نور الله وهداه هي (المضمون الأعظم) لرسالة نبي الله موسى: «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا..».. وهذا هو ذات المضمون الأعظم، لرسالة نبي الله عيسى" «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يدي من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه».ا
3 ـ بل هناك (تطابق) في تفاصيل كثيرة بين الإسلام وبين المسيحية.. من هذه التفاصيل:ا
أ – الصلاة والزكاة.. ففي القرآن: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة».. وفي رسالة عيسى ـ على لسانه ـ: «وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا».ا
ب ـ بر الوالدين.. ففي القرآن: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً».. وفي رسالة المسيح العظيم ـ على لسانه ـ:«وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا».ا
ج ـ حشمة النساء.. ففي القرآن: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلالبيبهن».. وفي وصية بطرس للنساء: «لا تكن زينتكن زينة ظاهرة من ضفر الشعر والتحلي بالذهب والتأنق في الملابس، بل الخفي من قلب الإنسان» أي زينة بريئة من الفساد لنفس وادعة، ذلك هو الثمن عند الله.ا
ففيم الخوف من قيم الاسلام ومبادئه، وهي نفسها القيم والمبادئ التي بشر بها موسى وتوراته وعيسى وانجيله؟.. هل التقارب او التطابق ـ يمسي في غيبة العقل والضمير ـ ذريعة للتحامل على الاسلام والانتقاص منه والتخويف من قيمه؟.. يا الهي: كيف يفكر الناس؟!ا
ويبدو أن مواقف التحامل والتخويف هي (محض تعصب) عنصري او حضاري، لا علاقة له برسالة المسيح السمحة المرحبة بالحق والحكمة أنَّى كان مصدرها.. والدليل على انه محض تعصب عنصري هو: ان الاتحاد الاوربي رفض ان يتضمن الدستور الاوربي عبارة (دور القيم المسيحية في الحضارة الاوربية).. والدليل الثاني: ان الاتحاد الاوربي نفسه طلع على الناس منذ اسابيع بهذه المقولة: «ان القول الديني بخلق السموات والارض في ستة ايام يهدد حقوق الانسان»!.. ومعروف ان خلق السموات والارض في هذه المدة نصوص وردت في (الكتاب المقدس).. ووردت ـ كذلك ـ في القرآن المجيد (وهذا من براهين التلاقي والتطابق).. وتلك المقولة الاوربية اذ تدل على استمرار نزعة النفور من المسيحية نفسها هناك، فانها تدل ـ من جانب آخر ـ على جهالة مطبقة بمفهوم (اليوم عند الله سبحانه) فاليوم عند الله كخمسين ألف سنة مما نعد: «تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة».. ثم هي جهالة مطبقة بقانون (التدريج) المعارض لمقولات (الطفرة)، وهو قانون تحدث عنه ابن خلدون فوصفه بأنه (هيئة بديعة من التدرج).. واذا كانت قضية (الخلق والتكوين) قد اصطدمت بمفاهيم دينية معروفة في اوربا ادت الى الصراع مع المؤسسة الدينية والى النفور من الدين نفسه، فان الحال ليس كذلك مع الاسلام والمسلمين، فعلماء الاسلام وفلاسفته منذ القرن العاشر الميلادي، ناقشوا هذه القضية وانتهوا ـ عقليا ـ الى ان خلق السموات والارض ـ وما فيهما ـ كان بقدرة الله ومشيئته، وانه تطور او (تدرج) بمشيئة الله عز وجل ومن هؤلاء العلماء: أحمد البلخي وابن مسكويه والطبري والفارابي وهذا (الفكر التنويري) المبكر هو من (القيم العلمية والحضارية) التي اهداها المسلمون الى الحضارة الاوربية.. يقول المفكر بريفولت في كتابه (بناء الانسانية).. «لقد كان العلم اهم ما جاءت به الحضارة الاسلامية، وليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الاوربي إلا يمكن ارجاع اصلها الى مؤثرات الثقافة الاسلامية بصورة قاطعة وكانت اظهر ما تكون في العلوم الطبية وروح البحث العلمي».. فلماذا الخوف من الاسلام وهو جسر تلاق وائتلاف ومصدر تنوير وابداع؟.. على ان هذا المفهوم السمح الواعد ينبغي ان يتمثله المسلمون انفسهم ولا سيما الذين يعيشون في الغرب.. يتعين عليهم ان يمارسوا قيمهم الاسلامية في اطار قوانين البلاد التي يعيشون فيها. فهذه القوانين من العهود التي يتوجب الوفاء بها وفاء مقترنا بالعلم الراسخ بأنهم لم يكلفوا بتطبيق الشريعة الاسلامية كدستور عام يحكم الحياة كلها، فهم لا يستطيعون ذلك.. والقاعدة العلمية العملية ـ ها هنا ـ هي (لا تكليف بما لا يطاق).. يضم الى ذلك: ان المناهج والشرائع والقوانين التي تطبقها البلدان التي يعيشون فيها هي من (التعددية) التي ارادها الله، والتي ينبغي احترامها: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة».ا
(عن جريدة الشرق الأوسط)
vendredi 3 août 2007
Inscription à :
Articles (Atom)
! مشاريع السلام العربية

! بعد أربعين عاما من النكبة

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس
